ملاحظات متفرقة ودروس مستفادة من عملية إحياء اللغة العبرية في القرن العشرين
أستقي الملاحظة الأولى من عدة أحاديث للمهندس أيمن عبد الرحيم فك الله أسره مفادها أن النظام السياسي في الإسلام هو ناتج ثانوي النظام المركزي المتعلق بنشر الدعوة عن طريق التعليم والجهاد، هذا النظام المركزي يظهر في الحركات العلمية والمدارس الفقهية، وأن السياق الذي نعيشه اليوم جعل الدولة بالمعنى السياسي هي الفاعل الرئيس والأوحد مما يبعد عن ذهنه الشعور بإمكانية التأثير وتغيير الواقع من جهته بما يمتلك بالفعل من إمكانات، ويضرب المثال بالجماعات اليهودية التي أحيَت اللغة العبرية الميتة منذ 1000 عام تقريبًا وأسست شبكة تعليمية عبرية في صورة جماعات تعليمية ووجامعات ومعاهد قبل حتى قيام دولتهم المزعومة بسبعين سنة.
ويرى أنه ينبغي تجاوز كل مؤسسات الدولة القائمة على تأميم وظائف الخلافة بدءًا بالتعليم عن طريق إحياء فكرة التعليمي المرن واللامدرسي التي تدور حول ثلاثية المنهج والكادر التعليميين بالإضافة للسان العربي وجَعل هذه الثلاثية مشاعًا بين الناس، مع إحياء فكرة الوقف التعليمي والجهاد بإعادة فكرة المرابطين: أي الشبكات المجاهِدة المتمركزة حول العلم والدعوة.
أما الملاحظة الثانية فأستقيها من كتاب الدولة اليهودية للصحفي الصهيوني ثيودور هرتزل الذي شبه فيه محاولات الجمعيات الصهيونية لكبح جماح العداء للسامية بقوة البخار التي يولدها الماء الذي يغلي فيرفع غطاء الغلاية، وأن بإمكان هذه القوة – إن أُحكِمَ استغلالها – أن تدفع آلة ضخمة تحمل الركاب والبضائع. وأن خطة إقامة دولة لليهود ستمهد لها الجمعية اليهودية في مجالي السياسة والتعليم قبل أن تنفذها الشركة اليهودية عمليًا.
وهذه هي نفسها فكرة الجماعات الوسيطة التي عرضها أيمن عبد الرحيم في أكثر من سياق، وذلك رغم أن هرتزل نفسه وقتها لم يمتلك التصور لإمكانية التخاطب باللغة العبرية ويقول: "منَ منا لديه المعرفة الكافية لطلب تذكرة قطار باللغة العبرية؟" ويفترض أن تعدد اللغات - كما هو الحال في سويسرا – أثبت نجاحه، وأن اللغة القومية ستحدد لاحقًا عندما تثبت أنها اللغة الأنفع في العلاقات الاجتماعية العامة.
لكن إذا علمنا أن نفس الكاتب لم يكن قد حدد مكان الدولة اليهودية المزعومة بعد وأنه وضع كلًا من فلسطين والأرجنتين كمكان محتمل- سنعرف أن فكرة إحياء اللغة العبرية كانت تبدو من الاستحالة وقتها بحيث يصعُب على هرتزل تصورها رغم وضعه كل هذه الخطة لإقامة دولة كاملة. فما بالنا ولغتنا العربية على قيد الحياة وهي لغة قوية وحاضرة لا نتصور أن نبذل عُشر المجهود الذي بذله الصهاينة في إحياء لغتهم الميتة حرفيًا.
يمكننا أن نناقش إحياء اللغة العبرية في شكلها الحديث في مقال منفصل لاحقًا إن شاء الله، مع العلم أن هذا المقال قابل للتعديل باستمرار.
تعليقات
إرسال تعليق