كورا العربية: كيف يؤثر الحديث بالفصحى على العرب إيجابّا؟

 إذا كنتَ عضوًا في منصة التواصل الاجتماعي كورا Quora ستلاحظ لأول وهلة عندما تدلف إلى نسختها العربية أن الجميع يتحدثون بلغة عربية فصحى، وهو ما يثير استغراب الأعضاء الجدد قبل أن يعرفوا أن كورا هي مدونة جماعية كبيرة قبل أن تكون موقعًا للتواصل الاجتماعي، وهي مدونة تعني بالمحتوى الجيد في كل مجال لكنها تعمل بالنظام الذي تعمل به مواقع التواصل الاجتماعي، أي أن الأعضاء هم أنفسهم صانعوا المحتوى.

أستعرض هنا بعض الفوائد التي تحققت بجعل اللغة العربية الفصحى هي اللغة السائدة في كورا رغم عدم وجود اتفاق رسمي يمنع الأعضاء من الكتابة بلهجاتهم المحلية.

  1. الكتابة بالفصحى تلغي بسهولة جدًا نسبة كبيرة من العوائق الثقافية المزيفة التي فرضتها علينا الخيانات التاريخية والممارسات السياسية، فلا فرق بين ما يكتبه المصري والسوري والمغربي، لن تلاحظ أصلًا ولن يخطُر على بالك وأنت تقرأ السؤال عن جنسية الكاتب.
  2. رغم أن العرب يمثلون حوالي 6% من مستخدمي الإنترنت حول العالم، إلا أن نسبة المحتوى العربي على الإنترنت تتجاوز بقليل 3%، وستتعجب أكثر إذا علمتَ أن اللغة العربية هي السادسة من حيث الانتشار العالمي. والكتابة بالعربية الفصحى تزيد من نسبة المحتوى العربي الذي يظهر على الإنترنت وخاصةً في تطبيق كورا الذي يتميز بأن خوارزميات الإنترنت تصل إلى محتواه بسهولة لن تجد عُشرَها في مواقع أكبر منه كفيسبوك مثلًا. وعلى العكس فالكتابة باللهجات تفرق ولا تجمع، وتشتت الجهود بدلًا من أن تجمعها.
  3. رأينا ظهور نُسَخ من موسوعة ويكيبيديا باللهجات العامية المصرية والدراجة المغربية والخليجية، وكلهم يدعون لهجاتهم لغات منفصلة. كل هذه المشاريع لا تخلو من سوء طوية وهي لا شك جهود مزيج من المتآمرين والحمقى. هذا يجعلنا نحرص على إحياء اللغة العربية على موقع أقرب لمواقع التواصل الاجتماعي كواجب شرعي قبل أي شيء آخر، خصوصًا أن محتوى مواقع التواصل متجدد يوميًا ومتفاعِل مع الواقع مما يساعد في إحياء اللغة العربية وظيفيًا عندما نقرأ الأخبار اليومية ونتفاعل معها بفُصحانا.
  4. الفصحى أقرب للمنطق والإقناع، وأبعد عن الهزل الذي يُخرِج الحوار مناقشة الأفكار عن جديتها. سئمنا من دخول الهزل في كل شئوننا، فكما قيُنسَب لابن خلدون قوله:

"إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم وهم قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة كمن يساق للموت وهو مخمور"

5.  العربية تجمع ولا تفرق، كثير من الأعاجم إذا تعلموا العربية الفصحى وجاءوا إلى بلاد العرب يُصدَمون لاكتشافهم أن العرب لا يتدثون الفصحى في واقعهم، لكن المصيبة الأكبر أن نتوقف حتى عن الكتابة بالفصحى وهو الشيء الذي ما زال يجمعنا بدلًا من أن نزيد الكتابة بالفصحى ونعممها، تعميم الفصحى كلغة يومية ولو ابتداءًا بالكتابة سيظهر كل العرب أمام الأجانب ككيان ثقافي واحد، وأنت إن كنتَ عضوًا في كورا ستعلم أن مقابلة كثير من الأعضاء من غير العرب شيء عادي. والميزة أنهم يقرأون كل ما نكتب ويفهمونه ويعلقون عليه وبعضهم يكتب محتواه بالعربية، وحتى إن لم يفهم كل شيء سيكون من السهل عليه أن يستخدم الترجمة الآلية ليصل إلى فحوى الكلام، يعني من أولى بشائر اللغة الفصحى هو ما تحققه من إنفتاح على العالم، وربما تكون المرة الأولى التي يتفاعل فيها أعاجم مع عرب بكل هذه الأريحية وبلغتنا العربية دون الحاجة للغة وسيطة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مثال لتعريب مصطلحات تطبيق ميتا الجديد | خيوط Threads

شواهد في محدودية قوة مَن تخشاه مهما امتلك من أسباب القوة

متى نصل إلى جواز سفر إفريقي موحد؟