دروس مستفادة من تراجع اللغة الفرنسية
من الشائع اليوم أن نصف لغات العالم البالغ عددها 7000 تقريبًا ستموت في غضون عقود قليلة، وبفعل التطور العالي في طرق التواصل وشدة المنافسة نرى اليوم أن عددًا قليلًا من اللغات لديه إمكانيات توصله لنهاية هذا السباق، الإنجليزية مثلا أو الإسبانية وربما الصينية. ونرى لغات أخرى لا زال الإقبال عليها كبيرًا لكنه أبطأ كالألمانية والروسية.
وفي القرنين الفائتين توسعت اللغة الإنجليزية حتى أصبحت لغة عالمية، هذه حقيقة لا يمكن إنكارها. هذا التوسع الذي شمل كل قارات العالم أخذ نصيبًا من اللغات التي تموت وحل محلها، والأغرب أنه يحل محل لغات كانت تعتبر منذ عقود قليلة لغات عالمية، ولنضرب مثال بالفرنسية التي هي أكثر لغة أوروبية مرشحة للإنهيار، وهذه بعض أسباب هذا الانسحاق، وسنركز على ضرب أمثلة من دول إسلامية في إفريقيا وآسيا:
- كثير من دول الفرانكفونية الناطقة بالفرنسية والتي احتلتها فرنسا سابقًا لا تجد اليوم اتصالات مباشرة مع البلدان الأخرى الناطقة بالفرنسية، مما يحض الدول على البحث عن لغات أكثر فائدةً لها، بينما تدعم اللغات المتحدثة بالألمانية والروسية والإسبانية بعضها البعض.
هذا يفيدنا في تصور أحد أسباب التراجع المخيف للغة العربية، ببساطة يقبل الناس على تعلم اللغات القابلة للاستعمال. وإذا لم تكن اللغة العربية مفيدة في الحياة اليومية فهذا نذير باستمرار هذا التراجع حتى إشعار آخر. - كان تشبث العرب باللغة العربية عاملًا مهمًا في إعاقة تقدم اللغة الفرنسية في شمال إفريقيا، ودول الجنوب التي تخلت عن العربية لصالح الفرنسية سابقًا تتخلى اليوم عن الفرنسية لصالح الإنجليزية.
- التاريخ الأسود لفرنسا كان عاملًا هامًا أيضًا، والغريب أن الإنجليزية أيضًا هي لغة المحتل، لكن يبدو أن الفرنسيين طالما كانوا أسوأ المحتلين في أوروبا، ولا أجد تفسيرًا لهذا غير أن تاريخ الصراع الإسلامي مع فرنسا كان الأسوأ والفترات التي احتلت فيها فرنسا دولة إسلامية كانت الأبشع.
فبعد الخروج العسكري الفرنسي الأسود من الجزائر بدأ تراجع اللغة الفرنسية، ومؤخرًا أُغلِقَت المدارس الفرنسية وبدأت الجزائر في إحلال اللغتين العربية والإنجليزية، وإحلال الإنجليزية محل الفرنسية في رواندا، واستبدلت الفرنسية باللغات الأصلية في زائير عام 1997م
4. وليس في مستعمرات فرنسا الإفريقية بل في آسيا أيضًا بسبب عزلة السكان الناطقين بالفرنسية واعتراض الطلاب على ضرورة تعلم اللغة الفرنسية كما في فيتنام ولبنان. وكان تراجع اللغة الفرنسية يصب في صالح زيادة وزن اللغة الإنجليزية في تلك الدول.
لذلك واحدة من نقاط قوة اللغة العربية التي يجب فيها نحسن استغلالها هي تقارب الجغرافيا العربية والإسلامية واتصالها مما يسمح للغة بالتطور والاستخدام.
5. وحتى في الولايات المتحدة انخفضت نسبة طلاب الجامعة المتقدمين لدراسة اللغة الفرنسية بنسبة 24% ما بين عامي 1990 و1995م، وكذلك في كندا نرى انخفاضًا واضحًا في دارسي اللغة الفرنسية، بل وناطقيها.
6. وفي أوروبا تراجعت اللغة الفرنسية عن كونها تقف في صف واحد مع الإنجليزية والألمانية. اليوم يتحدث 41٪ من الأوروبيين الإنجليزية مقابل 19٪ فقط للغة الفرنسية. وتراجعت الفرنسية في أوروبا الشرقية بعد الإنجليزية والإسبانية.
7. وبينما كانت اللغة الفرنسية لغة الثقافة ذات يوم رُكِلَتْ اليوم بعيدًا عن الساحة العالمية بواسطة اللغة الإنجليزية على مستوى إنتاج الأغاني والأفلام وحتى الأبحاث العلمية، حتى أن العلماء الفرنسيين يحرصون اليوم على نشر أبحاثهم باللغة الإنجليزية أو على الأقل ترجمتها إلى الإنجليزية لأن ذلك يضمن لهم ترويجًا لأنفسهم.
8. هذا التراجع واضح حتى في فرنسا، فبينما أعلن المجلس الثقافي البريطاني أنه سينفق 150 مليون دولار في 2008 بهدف تطوير اللغة الإنجليزية كانت ميزانية منظمة الفرانكونية وقتها 6 ملايين يورو فقط.
وعليه فمن الواضح للعيان أن اللغة الفرنسية قد دخلت في طور الانهيار الذي لا عودة منه إن شاء الله. ودورنا نحن أن نتعلم من أخطائهم وأن نستغلها للتسويق للغتنا العربية.
تعليقات
إرسال تعليق