مراجعة رواية هايدي - يوهانا شپيري
انتهيتُ للتو من قراءة رواية "هايـدي" للكاتبة السويسرية "يوهانا شپيري"، وهي تجربة قراءة رائعة بحق، لم أستمتع بقراءة تحفة فنية بهذا القدر منذ زمن طويل.
ومما زاد متعتي أثناء القراءة هي ترجمة "بُثينة الإبراهيم" وهي مترجمة لا أعرفها ولم أقرأ لها شيئًا من قبل، لكنني متأكدٌ بأن جزالة لغتها ورشاقة قلمها الظاهرَتَين في الكتاب هما سببان رئيسان في جعل النص العربي أخَّاذًا لهذه الدرجة، وفي الواقع أعتقد أن على كل عمل مترجَم جيد في لغته الأصلية أن لا يقل عن هذا المستوى أبدًا.
الرواية تعيدنا لزمن الطيبين إن جاز التعبير؛ ففترة كتابتها تعود لنهاية القرن التاسع عشر الميلادي، يعني ألف وثمانمائة ونيف. حينها كان للعالم شكل مختلف عن الآن، شكل أبسط وأجمل يجعلك تشعر بالحنين له ولو لم تعشه، لم تكن هناك كهرباء - على الأقل حتى وقت نشر القصة - فكان الناس يعيشون على ضوء الشموع، وينامون على أسِرَّةٍ من التبن ويتجولون ضمن أحداث الرواية في المراعي الجبلية الخضراء التي لا نهاية لها مع حيواناتهم.
وهذه الصورة الأخيرة بالذات من الارتماء في أحضان الطبيعة الخلابة نجحت الكاتبة في رسمها من الصفحات الأولى حتى الأخيرة حتى تكاد تكون روح الرواية من هذه الفكرة، حتى أنني أفكر أنه لا بد أن الريف السويسري حصل على زائرين لا حصر لهم بسبب هذه الرواية.
تتحدث الرواية عن الطبيعة وعن أصحاب الآلام الذين يعيشون في رضا تغمرهم السعادة رغم آلامهم الحية. ولن يخفى على القاريء الجانب التبشيري لهذه القصة فهي مليئة بالنصوص والحوارات التي تتحدث عن الله - الرب - وكيف أنه يدبر الأمر لما فيه الخير لنا وإن لم يكن ذلك بالطريقة التي أردنا ولا في الوقت الذي أردنا، وهذا دليل على الفطرة السليمة للكاتبة وإن لم تُوفَّق دائمًا لصياغة الكلمات عن الله عز وجل بالشكل الأمثل؛ لذلك أنصح بأن يقرأ الأطفال الرواية تحت إشراف والديهِم، وأن لا يغفلوا والبالغين التأكيد أن الرواية تنطلق من رؤية وعقيدة غير إسلامية، فنجد فيها عبارات لا تليق عند الحديث عن الله عز وجل من قبيل وصفه عز وجل بالأب أو بعض العبارات التي قد تمر مرور الكرام لكن عندما نأتي لجانب العقيدة أرجو من الآباء ألا يتسامحوا مع الانحرافات البسيطة التي تبتعد عن حقيقة الإسلام وأن يحرصوا أشد الحرص على التصحيح لأبنائهم أولًا بأول، هذا إن رغبوا في إقراء أبنائهم الرواية لأنني أراها ممتعة جدًا وقوية لغويًا ولطيفة إذ ليس فيها تعقيد وحتى الشر فيها بسيط والاعتراف بالخطأ سريع. أراها رواية تربوية بامتياز - باستثناء ما تحدثت عنه - وأرجو أن أقرأ مثلها وفي قوتها لكُتاب عرب ومسلمين.
تعليقات
إرسال تعليق