كيف نتلافى الآثار السلبية لتبني الأرقام العربية؟
أعلنت وسائل الإعلام اليوم عن إصدار وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء القطري، محمد السليطي، قرارًا باعتماد الأرقام العربية بدلًا من الهندية في كافة المعاملات الحكومية في قطر بدءًا من أول شهر سبتمبر/أيلول 2023م.
الأرقام الهندية بالأعلى - الأرقام العربية بالأسفل
وهو قرار جيد جدًا تأخر ربما لقرون طويلة إذ أن هذه الأرقام التي اخترعها عالم مسلم هو الخوارزمي يستعملها العالم كله اليوم ربما باستثناء العرب أنفسهم أو عرب المشرق خصوصًا إذ أننا نستعمل الأرقام الهندية اليوم مع عدد من الدول الأخرى كإيران وهذه الأرقام هي ٠ ١ ٢ ٣ ٤ ٥ ٦ ٧ ٨ ٩ باختلافات طفيفة في أشكالها بين البلدان التي لا زالت تستعملها كإيران مثلًا.
ففي أوروبا أدخل البابا سلفستر الثاني مجموعة الأرقام العربية 0 1 2 3 4 5 6 7 8 9 ورحبت بها أوروبا كبديل للأرقام الرومانية IVXCM المعقدة في كتابتها والتي لا تساعد في أداء أبسط العمليات الحسابية.
ونحن نعتز بالأرقام الهندية فهي جزء من تراثنا الإسلامي أيضًا، ومع ذلك ففي تبني الأرقام العربية الغبارية أو المغربية مصالح كبيرة لو كان هدفنا من ذلك التبني التقارب مع تراثنا بالفعل فنحن أولى بتراثنا من الأغراب، كما أن الأرقام العربية أوسع انتشارًا في العالم ومفهومة تقريبًا من كل الشعوب بلا استثناء.
ولقد لمست بنفسي عند تدريس أبناء إخوتي مناهج مادة الرياضيات التي طبقت عليهم حديثًا والتي يضطرون فيها للكتابة بالأرقام العربية التي لم يعتادوها تجد المسائل التي يكتبونها خليط غير متجانس من الأرقام العربية والهندية مما يؤدي بهم إلى خلط غير طبيعي وأخطاء لا حصر لها، وأنا نفسي عانيت من مثل هذا التحول المفاجئ في الجامعة وإن كان بشكل آخر. فالبدء بتعليم الأطفال الأرقام العربية منذ الصغر سيعينهم على تلافي هذا القصور بسرعة.
لكن دعونا نعترف أن لهذا القرار تبعات قد تكون مرعبة لو فكرنا فيها:
أولًا: أُعلن في قطر أن هذا القرار هو نوع من تصحيح المسار بالعودة للأرقام العربية والاعتزاز بالتراث العلمي الإسلامي، وأقول: أفلح إن صدق. لكن دعونا نعلم أن هذه الخطوة قد تثير في بعض النفوس المنهزمة شهية التقارب الزائد مع العالم الغربي والانسحاق تحت قدميه بتبني استعمال الحروف اللاتينية بشكل رسمي وإدخالها ببطء أو بسرعة في مجالات تستخدم فيها اللغة أو حتى ما يسمى بـ"تلتين" اللغة العربية. ففي مصر مثلًا تغير استعمال الأرقام إلى الأرقام العربية في كتب رياضيات المناهج الجديدة والذي لا أراه إلا تمهيدًا لجلنزة العلوم والتعليم الجامعي بالكامل، وهذا المصير من تدريس العلوم لأمة بغير لغتها الأصلية لم يؤد إلى خير أبدًا، فقد تتحد الوسائل وتختلف الأغراض فوجب تحذير عقلاء الأمة من ذلك.
ثانيًا: فاستعمال الأرقام العربية بالكامل في العالم العربي سيجعل من واجبنا إصدار وتنفيذ قرار بتعميم استخدام الأرقام العربية في ترقيم صفحات وآيات المصحف الشريف حتى لا يكون قرارنا المغلف بالاعتزاز بهويتنا هو أول الوهن وأول الطريق إلى ارتكاب جريمة إبعاد الأجيال القادمة عن رسالة السماء أكثر مما هي عليه وكما حدث مع الشعب التركي المسكين حينما فقد تراثه الممتد لقرون طويلة في ليلة وضحاها بقرار من الطاغية مصطفى كمال عليه من الله ما يستحق. وآخر ما نحتاجه كعرب في تلك المرحلة الفارقة هو قرارات عشوائية من بعض الحمقى أو الخونة تترك أضرارًا لا يمكن ترميمها أبدًا؛ لذلك فأنا أسعد بالقرار القطري وفي نفس الوقت أرتعب مما قد يؤدي إليه لو لم تولى له العناية الكافية.
أسأل الله أن يعين قاصدي الخير ويجعل تدبير المخربين في نحورهم، والله من وراء القصد.
تعليقات
إرسال تعليق